عنوان الكتاب: قصيدة البردة مع شرحها عصيدة الشهدة

رسول الله عليه السلام [1] و½طوبى¼ بمعنى الطيب والحسنى والخير قاله في "القاموس" وقال غيره: هي فرح وقرة عين، وقال الضحاك:عطية، وقال عكرمة: نعمة وشجرة في الجنة اسمها طوبى، وقد يكنى بها عن الجنة، وفي الحديث: طوبى للشام، فان الملائكة باسطة اجنحتها عليها[2] و½طوبى¼ هاهنا اما صفة لـ½تربا¼ اي: تربا مقولا في حقه طوبى، او مبتدا خبره ½لمنتشق¼ فليتامل. و½منتشق¼ اسم فاعل من الانتشاق، وهو الاشتمام يعني: طوبى لمن شم ذلك التراب. و½منه¼ متعلق بـ½منتشق¼ و½ملتثم¼ عطف على ½منتشق¼ هو من الالتثام  بمعنى التقبيل، والبيت مقتبس من مرثية فاطمة الزهراء رضي الله عنها حيث قالت:

ماذا عَلَى مَنْ شَمَّ تربة َ احمَد            ان لا يشمَّ مدى الزمان غواليا

صبت عليَّ مصائب لو انّها             صبت على الايام عُدن لياليا

ولله در الناظم الفاهم حيث اشار في هذا البيت الى النوعين المستعملين في الطيب لانّه اما ان يستعمل بالشم، واشار اليه بقوله: ½لمنتشق¼، واما بالتضمخ، واليه اشار بـ½ملتثم¼، وهذا مبني على ان المراد ان تربته افضل انواع الطيب باعتبار الحقيقة الحسية، وذلك اما لانه كذلك في نفس الامر ادركه من ادركه ام لا، واما باعتبار اعتقاد المؤمن في ذلك، فان المؤمن لا يعدل بشم رائحة تربته عليه الصلاة والسلام شيئا من الطيب، فان قلت: لو كان المراد الحقيقة الحسية لادرك ذلك كل احد؟ والجواب: لا يلزم من قيام المعنى بمحل ادراكه لكل احد بل حتى توجد الشرائط وتنتفي الموانع. وعدم الادراك لا يدل على عدم المدرك وانتفاء الدليل لا يدل على انتفاء المدلول فالمزكوم لا يدرك رائحة المسك مع ان الرائحة قائمة بالمسك لم تنتف، ولما كانت احوال القبر من الامور الاخروية لا جرم لايدركها من الاحياء الا من كشف له الغطاء من الاولياء المقربين لان متاع الاخرة باق، ومتاع الدنيا فان، والفاني لايتمتع بالباقي للتضاد، ولا ريب عند من له ادنى تصديق بشريعة الاسلام ان قبره روض من رياض الجنة وافضلها وانه لاطيب يعدل تراب قبره عليه السلام لتمساس جسمه اللطيف الذي هو اطيب الطيب، ولذا قال العلماء: ان تربة قبره افضل من


 



[1]     "صحيح مسلم"، كتاب الفضائل، باب طيب رائحة النبي صلي الله عليه وسلم، الحديث: ٢٣٣٠، ص: ١٢٧٢

[2]     "سنن الترمذي"، كتاب المناقب عن رسول الله، باب في فضل الشام واليمن، الحديث: ٣٩٨٠، ٥/٤٩٧.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

310