عنوان الكتاب: قصيدة البردة مع شرحها عصيدة الشهدة

وفي ½لم ترق¼ التفات من الغيبة الى الخطاب، والتفاته سريعا الى الخطاب لاخراج الكلام من البيان الى العيان. وتعريف الدمع قد مضى، فامض اليه، وتنوينه للتعظيم كما ان تنوين ½طلل¼ للتحقير كما في قوله:

 

لَه حاجب فِي كُلِّ امْر يَشِيْنُه           وَلَيْسَ لَه عَنْ طَالِب الْعُرفِ حاجب

 

و½على¼ متعلق بـ½لم ترق¼، و½الطلل¼ بفتحتين اثر الدار الخربة فكانه يقول: لو لم تكن لك محبة من اهل المنازل وسكانها لَمَا صَببت من عينيك الدمع العظيم على اطلال المنازل الحقيرة، ويحتمل ان يكون مراده بـ½الطلل¼ مكة المكرمة لانها بهجرة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم منها صارت خربة معنى؛ اذ معموريتها كانت بكون النبي عليه السلام فيها، كما قال الله تعالى: ﴿ لَآ اقۡسِمُ بهَٰذا ٱلۡبلَد 1 وَانت حلُّۢ بهَٰذا ٱلۡبلَد ﴾ [البلد: ١،٢]، حيث استفيد منها ان كون مكة المكرمة لائقة بكونها مقسما به لله تعالى لاجل حلول النبي عليه السلام فيها فبعد هجرته عليه السلام كانت الاثار الباقية الدائمة في مكة المكرمة الان هي اثار الخربة معنى، ولذا اتفقوا على انّ التراب الماسّ لبدن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في قبره الشريف افضل الامكنة وافخمها كما سياتي تفصيله، وعلى هذا المعنى يكون ½على¼ بمعنى اللام الاجلية، اي: لو لم تكن محبتك لم ترق دمعا لاجل ملاحظة مكة بان المحبوب قد هاجر منها، وكانت الارض الباقية خربة، فتامل، ويجوز ان يكون في ½طلل¼ استعارة مصرحة بان شبه اثار المحبة والعشقِ الكائنةَ في قلب العاشق باثار الدار الخربة في كونهما دائرين بين الامرين اعني: عدم المعمورية بالكلية وعدم الانهدام بالكلية، ثم استعير اثار الدار الخربة لاثار المحبة، فذكر اللفظ الدال على المشبه به، واريد المشبه. ½ولا ارقت¼ عطف على ½لم ترق¼، و½لا¼ زائدة لتاكيد النفي، و½ارقت¼ من ½ارقَ يَارقُ¼ من باب ½عَلِمَ¼، وهو بمعنى سهر الليالي وعدمِ النوم فيها، فالمعنى لو لم يكن سلطان المحبة في مدينة قلبك لَمَا سهرت الليالي لكنّ التاليَ باطل، والمقدم مثله، فثبت نقيضه لان المحب لا ينام كما قال الشاعر:

 

عَجبا لِلْمُحب كَيْفَ يَنَامُ    كُلُّ نَوْمٍ عَلَى الْمُحب حرامُ


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

310