عنوان الكتاب: قصيدة البردة مع شرحها عصيدة الشهدة

كيف وقد قال في "المواهب اللدنية" وقد جاء في رواية ابن عساكر انه عليه السلام قال: الورد الابيض خلق من عرقي ليلة المعراج، والوَرد الاحمر خلق من عرق جبرائيل، والورد الاصفر خلق من عرق البراق[1]. وقوله: ½البدر¼ بالجر معطوف على مدخول الكاف، و½البدر¼ هو القمر في ليلة اربعة عشر و½في شرف¼ عطف على ½في ترف¼ لايقال فحينئذ يكون من قبيل عطف شيئين بحرف واحد على معمولي عاملين مختلفين وهو فاسد؛ لانا نقول: لا نسلم اختلاف العامل على ان المجرور مقدم كما لايخفى. و½الشرف¼ بمعنى العلو، لكن المراد العلو القدري لا العلو المكاني فتامل. ثم اعلم! ان البدر من اسمائه عليه السلام ، وقد صادف تشبيهه عليه السلام بالبدر لان التشبيه بالبدر ابلغ عند العرب من التشبيه بالقمر والشمس، اما الاول فلان البدر وقت كماله دون القمر، واما الثاني فَلِمَا سبق ان البدر يملا الارض بنوره، ويؤنس كل من شاهده، ويتمكن من النظر اليه بخلاف الشمس التي تغشى البصر فتمنع من تمكن الرؤية، ولقد احسن من قال:

كالبدر والكاف ان اتصفت زائدة           فلا تظنن فيه الكاف للشبه

وبالجملة انهم قالوا: ان التشبيهات الواردة في صفاته عليه السلام انما هي على عادة شعراء العرب، والا فلا شيء من هذه المحدثات يعادل صفاته الخلْقية والخلْقية. وقوله: ½والبحر¼ بالجر عطف على قريبه او بعيده، يعني ان رسول الله كالبحر في اعطاء ما ينفع؛ لانه كما ان البحر المالح يعطي الانسان لؤلؤا ومرجانا وجواهرا كثيرة، فكذلك رسول الله عليه السلام، ولذا قال في وجه الشبه ½في كرم¼ والفرق بين الكرم والجود والسخاء ان من اعطى البعض فهو سخي، ومن بذل الاكثر فهو جواد، ومن اعطى الكل فهو كريم، وقد ثبت كرمه عليه السلام باخبار كثيرة واثار وفيرة منها: حديث انس مرفوعا انا اجود بني ادم[2] وفي رواية المسلم: ما سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم شيئا الا اعطاه فجاء رجل، فاعطاه غنما بين جبلين، فرجع الى قومه، فقال: يا قوم!


 



[1]     "تاريخ مدينة دمشق"، حرف العين، الحسن بن عبد الواحد القزويني، ١٣/١٣١.

[2]     "مشكاة المصابيح"، كتاب العلم، الفصل الثالث، الحديث: ٢٥٩، ١/٦٨.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

310